فصل: الْوَجْهُ الثّانِي الدّالّ عَلَى أَوْلَوِيّةِ حَمْلِ الْقَرْءِ فِي الْآيَةِ عَلَى الْحَيْضِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.مَنْ قَالَ بِأَنّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْأَطْهَارُ:

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ وَهَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ. وَيُرْوَى وَالشّافِعِيّ وَأَحْمَدُ عَنْ الْفُقَهَاءِ السّبْعَةِ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَالزّهْرِيّ وَعَامّةِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْهُ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَمَتَى طَلّقَهَا فِي أَثْنَاءِ طُهْرٍ فَهَلْ تَحْتَسِبُ بِبَقِيّتِهِ قَرْءًا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا: تَحْتَسِبُ بِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
وَالثّانِي: لَا تَحْتَسِبُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ الزّهْرِيّ. كَمَا لَا تَحْتَسِبُ بِبَقِيّةِ الْحَيْضَةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ الْقَرْءُ الْحَيْضُ اتّفَاقًا.
وَالثّالِثُ إنْ كَانَ قَدْ جَامَعَهَا فِي ذَلِكَ الطّهْرِ لَمْ تَحْتَسِبْ بِبَقِيّتِهِ وَإِلّا احْتَسَبَتْ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ. فَإِذَا طَعَنَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثّالِثَةِ أَوْ الرّابِعَةِ عَلَى قَوْلِ الزّهْرِيّ انْقَضَتْ عِدّتُهَا. وَعَلَى قَوْلِ الْأَوّلِ لَا تَنْقَضِي الْعِدّةُ حَتّى تَنْقَضِيَ الْحَيْضَةُ الثّالِثَةُ.

.هَلْ يَقِفُ انْقِضَاءُ الْعِدّةِ عَلَى اغْتِسَالِ الْمُعْتَدّةِ مِنْ حَيْضَتِهَا الثّالِثَةِ:

وَهَلْ يَقِفُ انْقِضَاءُ عِدّتِهَا عَلَى اغْتِسَالِهَا مِنْهَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: لَا تَنْقُضِي عِدّتُهَا حَتّى تَغْتَسِلَ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَكَابِرِ الصّحَابَةِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَعُمَرُ وَعَلِيّ وَابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُونَ لَهُ رَجْعَتُهَا قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثّالِثَةِ انْتَهَى. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَأَبِي مُوسَى وَعُبَادَةَ وَأَبِي الدّرْدَاءِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ كَمَا فِي مُصَنّفِ وَكِيعٍ عَنْ عِيسَى الْخَيّاطِ عَنْ الشّعْبِيّ عَنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخُيّرَ فَالْخُيّرَ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَابْنُ عَبّاسٍ: أَنّهُ أَحَقّ بِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثّالِثَةِ وَفِي مُصَنّفِهِ أَيْضًا عَنْ مُحَمّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي الدّرْدَاءِ مِثْلُهُ. وَفِي مُصَنّفِ عَبْدِ الرّزّاقِ: عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ أَرْسَلَ عُثْمَانُ إلَى أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ: أَرَى أَنّهُ أَحَقّ بِهَا حَتّى تَغْتَسِلَ مِنْ حَيْضَتِهَا الثّالِثَةِ وَتَحِلّ لَهَا الصّلَاةُ قَالَ فَمَا أَعْلَمُ عُثْمَانَ إلّا أَخَذَ بِذَلِك يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنّ عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ قَالَ لَا تَبِينُ حَتّى تَغْتَسِلَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثّالِثَةِ وَتَحِلّ لَهَا الصّلَاةُ فَهَؤُلَاءِ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ الصّحَابَةِ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ وَسُفْيَانَ الثّوْرِيّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. قَالَ شُرَيْكٌ لَهُ الرّجْعَةُ وَإِنْ فَرّطَتْ فِي الْغُسْلِ عِشْرِينَ سَنَة وَهَذَا إحْدَى الرّوَايَاتِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللّهُ.
وَالثّانِي: أَنّهَا تَنْقَضِي بِمُجَرّدِ طُهْرِهَا مِنْ الْحَيْضَةِ الثّالِثَةِ وَلَا تَقِفُ عَلَى الْغُسْلِ وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشّافِعِيّ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ حَيْثُ كَانَ يَقُولُ الْأَقْرَاءُ الْحِيَضُ وَهُوَ إحْدَى الرّوَايَاتِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطّابِ.
وَالثّالِثُ أَنّهَا فِي عِدّتِهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ الدّمِ وَلِزَوْجِهَا رَجْعَتُهَا حَتّى يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ الصّلَاةِ الّتِي طَهُرَتْ فِي وَقْتِهَا وَهَذَا قَوْلُ الثّوْرِيّ وَالرّوَايَةُ الثّالِثَةُ عَنْ أَحْمَدَ حَكَاهَا أَبُو بَكْرٍ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللّهُ لَكِنْ إذَا انْقَطَعَ الدّمُ لِأَقَلّ الْحَيْضِ وَإِنْ انْقَطَعَ الدّمُ لِأَكْثَرِهِ انْقَضَتْ الْعِدّةُ عَنْهَا بِمُجَرّدِ انْقِطَاعِهِ.

.هَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الطّهْرِ مَسْبُوقًا بِدَمِ قَبْلَهُ عَلَى مَنْ قَالَ بِالْأَطْهَار:

وَأَمّا مَنْ قَالَ إنّهَا الْأَطْهَارُ اخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا: هَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الطّهْرِ مَسْبُوقًا بِدَمِ قَبْلَهُ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ لَهُمْ وَهُمَا وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ الشّافِعِيّ وَأَحْمَدَ:
أَحَدُهُمَا: يُحْتَسَبُ لِأَنّهُ طُهْرٌ بَعْدَهُ حَيْضٌ فَكَانَ قَرْءًا كَمَا لَوْ كَانَ قَبْلَهُ حَيْضٌ.
وَالثّانِي: لَا يُحْتَسَبُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصّ الشّافِعِيّ فِي الْجَدِيدِ لِأَنّهَا لَا تُسَمّى مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ إلّا إذَا رَأَتْ الدّمَ.

.هَلْ تَنْقَضِي الْعِدّةُ بِالطّعْنِ فِي الْحَيْضَةِ الثّالِثَةِ عَلَى مَنْ قَالَ بِالْأَطْهَارِ:

الْمَوْضِعُ الثّانِي: هَلْ تَنْقَضِي الْعِدّةُ بِالطّعْنِ فِي الْحَيْضَةِ الثّالِثَةِ أَوْ لَا تَنْقَضِي عَلَى وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ أَحْمَدَ وَهُمَا قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ لِلشّافِعِيّ وَلِأَصْحَابِهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ إنْ حَاضَتْ لِلْعَادَةِ انْقَضَتْ الْعِدّةُ بِالطّعْنِ فِي الْحَيْضَةِ. وَإِنْ حَاضَتْ لِغَيْرِ الْعَادَةِ بِأَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا تَرَى الدّمَ فِي عَاشِرِ الشّهْرِ فَرَأَتْهُ فِي أَوّلِهِ لَمْ تَنْقَضِ حَتّى يَمْضِيَ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. ثُمّ اخْتَلَفُوا: هَلْ يَكُونُ هَذَا الدّمُ مَحْسُوبًا مِنْ الْعِدّةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ تَظْهَرُ فَائِدَتُهُمَا فِي رَجْعَتِهَا فِي وَقْتِهِ فَهَذَا تَقْرِيرُ مَذَاهِبِ النّاسِ فِي الْأَقْرَاءِ.

.حُجّةُ مَنْ فَسّرَ الْأَقْرَاءَ بِالْحِيَضِ:

قَالَ مَنْ نَصّ إنّهَا الْحِيَضُ الدّلِيلُ عَلَيْهِ وُجُوهٌ:

.الدّلِيلُ الْأَوّلُ لِمَنْ حَمَلَ الْقَرْءَ عَلَى الْحَيْضِ:

أَحَدُهَا: أَنّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [الْبَقَرَةَ 228] إمّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْأَطْهَارُ فَقَطْ أَوْ الْحِيَضُ فَقَطْ أَوْ مَجْمُوعُهُمَا.
وَالثّالِثُ مُحَالٌ إجْمَاعًا حَتّى عِنْدَ مَنْ يَحْمِلُ اللّفْظَ الْمُشْتَرَكَ عَلَى مَعْنَيَيْهِ. وَإِذَا تَعَيّنَ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالْحِيَضُ أَوْلَى بِهِ لِوُجُوهٍ:

.الْوَجْهُ الْأَوّلُ الدّالّ عَلَى أَوْلَوِيّةِ حَمْلِ الْقَرْءِ فِي الْآيَةِ عَلَى الْحَيْضِ:

أَحَدُهَا: أَنّهَا لَوْ كَانَتْ الْأَطْهَارَ فَالْمُعْتَدّةُ بِهَا يَكْفِيهَا قَرْآنِ وَلَحْظَةٌ مِنْ الثّالِثِ وَإِطْلَاقُ الثّلَاثَةِ عَلَى هَذَا مَجَازٌ بَعِيدٌ لِنَصّيّةِ الثّلَاثَةِ فِي الْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ. فَإِنْ قُلْتُمْ بَعْضُ الطّهْرِ الْمُطْلَقِ فِيهِ عِنْدَنَا قَرْءٌ كَامِلٌ قِيلَ جَوَابُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنّ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَا تَقَدّمَ فَلَمْ تُجْمِعْ الْأُمّةُ عَلَى أَنّ بَعْضَ الْقَرْءِ قَرْءٌ قَطّ فَدَعْوَى هَذَا يَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ.
الثّانِي: أَنّ هَذَا دَعْوَى مَذْهَبِيّةٌ أَوْجَبَ حَمْلَ الْآيَةِ عَلَيْهَا إلْزَامُ كَوْنِ الْأَقْرَاءِ الْأَطْهَارَ وَالدّعَاوَى الْمَذْهَبِيّةُ لَا يُفَسّرُ بِهَا الْقُرْآنُ وَتُحْمَلُ عَلَيْهَا اللّغَةُ وَلَا يُعْقَلُ فِي اللّغَةِ قَطّ أَنّ اللّحْظَةَ مِنْ الطّهْرِ تُسَمّى قَرْءًا كَامِلًا وَلَا اجْتَمَعَتْ الْأُمّةُ عَلَى ذَلِكَ فَدَعْوَاهُ لَا تَثْبُتُ نَقْلًا وَلَا إجْمَاعًا وَإِنّمَا هُوَ مُجَرّدُ الْحَمْلِ وَلَا رَيْبَ أَنّ الْحَمْلَ شَيْءٌ وَالْوَضْعَ شَيْءٌ آخَرُ وَإِنّمَا يُفِيدُ ثُبُوتُ الْوَضْعِ لُغَةً أَوْ شَرْعًا أَوْ عُرْفًا. يَكُونَ اسْمًا لِمَجْمُوعِ الطّهْرِ كَمَا يَكُونُ اسْمًا لِمَجْمُوعِ الْحَيْضَةِ أَوْ لِبَعْضِهِ أَوْ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ اشْتِرَاكًا لَفْظِيّا أَوْ اشْتِرَاكًا مَعْنَوِيّا وَالْأَقْسَامُ الثّلَاثَةُ بَاطِلَةٌ فَتَعَيّنَ الْأَوّلُ أَمّا بُطْلَانُ وَضْعِهِ لِبَعْضِ الطّهْرِ فَلِأَنّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الطّهْرُ الْوَاحِدُ عِدّةَ أَقْرَاءٍ وَيَكُونُ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْقَرْءِ فِيهِ مَجَازًا. وَأَمّا بُطْلَانُ الِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيّ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَصْدُقَ عَلَى الطّهْرِ الْوَاحِدِ أَنّهُ عِدّةُ أَقْرَاءٍ حَقِيقَةً.
وَالثّانِي: أَنّ نَظِيرَهُ- وَهُوَ الْحَيْضُ- لَا يُسَمّى جُزْؤُهُ قَرْءًا اتّفَاقًا وَوَضْعُ الْقَرْءِ لَهُمَا لُغَةً لَا يَخْتَلِفُ وَهَذَا لَا خَفَاءَ بِهِ.

.حَمْلُ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ وَالتّشْكِيكُ فِي نِسْبَتِهِ لِلشّافِعِيّ وَالْبَاقِلّانِيّ:

فَإِنْ قِيلَ نَخْتَارُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ كُلّهِ وَجُزْئِهِ اشْتِرَاكًا لَفْظِيّا وَيُحْمَلُ الْمُشْتَرَكُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ فَإِنّهُ أَحْفَظُ وَبِهِ تَحْصُلُ الْبَرَاءَةُ بِيَقِينٍ. قِيلَ الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنّهُ لَا يَصِحّ اشْتِرَاكُهُ كَمَا تَقَدّمَ.
الثّانِي: أَنّهُ لَوْ صَحّ اشْتِرَاكُهُ لَمْ يَجُزْ حَمْلُهُ عَلَى مَجْمُوعِ مَعْنَيَيْهِ. أَمّا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُجَوّزُ حَمْلَ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ فَظَاهِرٌ وَأَمّا مَنْ يُجَوّزُ حَمْلَهُ عَلَيْهِمَا فَإِنّمَا يُجَوّزُونَهُ إذَا دَلّ الدّلِيلُ عَلَى إرَادَتِهِمَا مَعًا. فَإِذَا لَمْ يَدُلّ الدّلِيلُ وَقَفُوهُ حَتّى يَقُومَ الدّلِيلُ عَلَى إرَادَةِ أَحَدِهِمَا أَوْ إرَادَتِهِمَا وَحَكَى الْمُتَأَخّرُونَ عَنْ الشّافِعِيّ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ إذَا تَجَرّدَ عَنْ الْقَرَائِنِ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ كَالِاسْمِ الْعَامّ لِأَنّهُ أَحْوَطُ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْنَى ثَالِثٍ وَتَعْطِيلُهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَيَمْتَنِعُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ. فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ الْعَمَلِ وَلَمْ يَتَبَيّنْ أَنّ أَحَدَهُمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِعَيْنِهِ عُلِمَ أَنّ الْحَقِيقَةَ غَيْرُ مُرَادَةٍ إذْ لَوْ أُرِيدَتْ لَبُيّنَتْ فَتَعَيّنَ الْمَجَازُ وَهُوَ مَجْمُوعُ الْمَعْنَيَيْنِ وَمَنْ يَقُولُ إنّ الْحَمْلَ عَلَيْهِمَا بِالْحَقِيقَةِ يَقُولُ لَمّا لَمْ يَتَبَيّنْ أَنّ الْمُرَادَ أَحَدُهُمَا عُلِمَ أَنّهُ أَرَادَ كِلَيْهِمَا. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيّةَ رَحِمَهُ اللّهُ فِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ عَنْ الشّافِعِيّ وَالْقَاضِي نَظَرٌ أَمّا الْقَاضِي فَمِنْ أَصْلِهِ الْوَقْفُ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ وَأَنّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ إلّا بِدَلِيلِ فَمَنْ يَقِفُ فِي أَلْفَاظِ الْعُمُومِ كَيْفَ يَجْزِمُ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ بِالِاسْتِغْرَاقِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ؟ وَإِنّمَا الّذِي ذَكَرَهُ فِي كُتُبِهِ إحَالَةٌ.

.فَسَادُ حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ:

الِاشْتِرَاكُ رَأْسًا وَمَا يُدّعَى فِيهِ الِاشْتِرَاكُ فَهُوَ عِنْدَهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَوَاطِئِ وَأَمّا الشّافِعِيّ فَمَنْصِبُهُ فِي الْعِلْمِ أَجَلّ مِنْ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ هَذَا وَإِنّمَا اُسْتُنْبِطَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ إذَا أَوْصَى لِمَوَالِيهِ تَنَاوَلَ الْمَوْلَى مِنْ فَوْقُ وَمِنْ أَسْفَلَ وَهَذَا قَدْ يَكُونُ قَالَهُ لِاعْتِقَادِهِ أَنّ الْمَوْلَى مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَوَاطِئَةِ وَأَنّ مَوْضِعَهُ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا فَإِنّهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَضَايِفَةِ كَقَوْلِهِ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يُحْكَى عَنْهُ قَاعِدَةٌ عَامّةٌ فِي الْأَسْمَاءِ الّتِي لَيْسَ مِنْ مَعَانِيهَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ أَنْ تُحْمَلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهَا ثُمّ الّذِي يَدُلّ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ وُجُوهٌ:
أَحَدُهَا: أَنّ اسْتِعْمَالَ اللّفْظِ فِي مَعْنَيَيْهِ إنّمَا هُوَ مَجَازٌ إذْ وَضْعُهُ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى سَبِيلِ الِانْفِرَادِ هُوَ الْحَقِيقَةُ وَاللّفْظُ الْمُطْلَقُ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ بَلْ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ.
الثّانِي: أَنّهُ لَوْ قُدّرَ أَنّهُ مَوْضُوعٌ لَهُمَا مُنْفَرِدَيْنِ وَلِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُجْتَمَعَيْنِ فَإِنّهُ يَكُونُ لَهُ حِينَئِذٍ ثَلَاثَةُ مَفَاهِيمَ فَالْحَمْلُ عَلَى أَحَدِ مَفَاهِيمِهِ دُونَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ مُوجِبٍ مُمْتَنِعٌ.
الثّالِثُ أَنّهُ حِينَئِذٍ يَسْتَحِيلُ حَمْلُهُ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ إذْ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا وَحْدَهُ وَعَلَيْهِمَا مَعًا مُسْتَلْزِمٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ النّقِيضَيْنِ فَيَسْتَحِيلُ حَمْلُهُ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ وَحَمْلُهُ عَلَيْهِمَا مَعًا حَمْلٌ لَهُ عَلَى بَعْضِ مَفْهُومَاتِهِ فَحَمْلُهُ عَلَى جَمِيعِهَا يُبْطِلُ حَمْلَهُ عَلَى جَمِيعِهَا. الْحَقِيقَةُ وَحْدَهَا وَالثّانِي: الْحَقِيقَةُ الْأُخْرَى وَحْدَهَا وَالثّالِثُ مَجْمُوعُهُمَا وَالرّابِعُ مَجَازُ هَذِهِ وَحْدَهَا وَالْخَامِسُ مَجَازُ الْأُخْرَى وَحْدَهَا وَالسّادِسُ مَجَازُهُمَا مَعًا وَالسّابِعُ الْحَقِيقَةُ وَحْدَهَا مَعَ مَجَازِهَا وَالثّامِنُ الْحَقِيقَةُ مَعَ مَجَازِ الْأُخْرَى.
وَالتّاسِعُ الْحَقِيقَةُ الْوَاحِدَةُ مَعَ مَجَازِهِمَا وَالْعَاشِرُ الْحَقِيقَةُ الْأُخْرَى مَعَ مَجَازِهَا وَالْحَادِيَ عَشَرَ مَعَ مَجَازِ الْأُخْرَى وَالثّانِيَ عَشَرَ مَعَ مَجَازِهِمَا فَهَذِهِ اثْنَا عَشَرَ مَحْمَلًا بَعْضُهَا عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ وَبَعْضُهَا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ فَتَعْيِينُ مَعْنَى وَاحِدٍ مَجَازِيّ دُونَ سَائِرِ الْمَجَازَاتِ وَالْحَقَائِقِ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجّحٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.
الْخَامِسُ أَنّهُ لَوْ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا لَصَارَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ لَأَنّ حُكْمَ الِاسْمِ الْعَامّ وُجُوبُ حَمْلِهِ عَلَى جَمِيعِ مُفْرَدَاتِهِ عِنْدَ التّجَرّدِ مِنْ التّخْصِيصِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجَازَ اسْتِثْنَاءُ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ مِنْهُ وَلَسَبَقَ إلَى الذّهْنِ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الْعُمُومُ وَكَانَ الْمُسْتَعْمِلُ لَهُ فِي أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَعْمِلِ لِلِاسْمِ الْعَامّ فِي بَعْضِ مَعَانِيهِ فَيَكُونُ مُتَجَوّزًا فِي خِطَابِهِ غَيْرَ مُتَكَلّمٍ بِالْحَقِيقَةِ وَأَنْ يَكُونَ مَنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي مَعْنَيَيْهِ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى دَلِيلٍ وَإِنّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ نَفَى الْمَعْنَى الْآخَرَ وَلَوَجَبَ أَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ الشّمُولُ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ التّخْصِيصِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ وَلَا يَنْفِي الْإِجْمَالَ عَنْهُ إذْ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْعَامّةِ وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا وَأَحْكَامُ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ لَا تُفَارِقُ أَحْكَامَ الْأَسْمَاءِ الْعَامّةِ وَهَذَا مِمّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ اللّغَةِ وَلَكَانَتْ الْأُمّةُ قَدْ أَجْمَعَتْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى حَمْلِهَا عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهَا وَمُطْلَقِهَا إذْ لَمْ يَصِرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَى حَمْلِ الْقَرْءِ عَلَى الطّهْرِ وَالْحَيْضِ مَعًا وَبِهَذَا يَتَبَيّنُ بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ حَمْلُهُ عَلَيْهِمَا أَحْوَطُ فَإِنّهُ لَوْ قُدّرَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الْحِيَضِ وَالْأَطْهَارِ لَكَانَ فِيهِ خُرُوجٌ عَنْ الِاحْتِيَاطِ. وَإِنْ قِيلَ نَحْمِلُهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلّ مِنْهُمَا فَهُوَ خِلَافُ نَصّ الْقُرْآنِ إذْ تَصِيرُ الْأَقْرَاءُ سِتّةً. قُلْنَا: مِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْرَى عَنْ دَلَالَةٍ تُبَيّنُ الْمُرَادَ مِنْهُ كَمَا فِي الْأَسْمَاءِ الْمُجْمَلَةِ وَإِنْ خَفِيَتْ الدّلَالَةُ عَلَى بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ خَفِيّةً عَنْ مَجْمُوعِ الْأُمّةِ وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ الْوَجْهِ الثّالِثِ فَالْكَلَامُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُطْلَقُهُ يَدُلّ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ فَلَا بُدّ مِنْ بَيَانِ الْمُرَادِ.

.الْوَجْهُ الثّانِي الدّالّ عَلَى أَوْلَوِيّةِ حَمْلِ الْقَرْءِ فِي الْآيَةِ عَلَى الْحَيْضِ:

وَإِذَا تَعَيّنَ أَنّ الْمُرَادَ بِالْقَرْءِ فِي الْآيَةِ أَحَدُهُمَا لَا كِلَاهُمَا فَإِرَادَةُ الْحَيْضِ أَوْلَى لِوُجُوهٍ. مِنْهَا: مَا تَقَدّمَ.
الثّانِي: أَنّ اسْتِعْمَالَ الْقَرْءِ فِي الْحَيْضِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي الطّهْرِ فَإِنّهُمْ يَذْكُرُونَهُ تَفْسِيرًا لِلَفْظِهِ ثُمّ يُرْدِفُونَهُ بِقَوْلِهِمْ وَقِيلَ أَوْ قَالَ فُلَانٌ أَوْ يُقَالُ عَلَى الطّهْرِ أَوْ وَهُوَ أَيْضًا الطّهْرُ فَيَجْعَلُونَ تَفْسِيرَهُ بِالْحَيْضِ كَالْمُسْتَقِرّ الْمَعْلُومِ الْمُسْتَفِيضِ وَتَفْسِيرُهُ بِالطّهْرِ قَوْلٌ قِيلَ. وَهَاكَ حِكَايَةُ أَلْفَاظِهِمْ. قَالَ الْجَوْهَرِيّ: الْقَرْءُ بِالْفَتْحِ الْحَيْضُ وَالْجَمْعُ أَقْرَاءٌ وَقُرُوءٌ. وَفِي الْحَدِيثِ لَا صَلَاةَ أَيّامَ أَقْرَائِك وَالْقَرْءُ أَيْضًا: الطّهْرُ وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْأَقْرَاءُ الْحِيَضُ ثُمّ قَالَ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ وَقَالَ الْكِسَائِيّ وَالْفَرّاءُ أَقْرَأَتْ الْمَرْأَةُ إذَا حَاضَتْ. وَقَالَ ابْنُ فَارِسَ: الْقُرُوءُ أَوْقَاتٌ يَكُونُ لِلطّهْرِ مَرّةً وَلِلْحَيْضِ مَرّةً وَالْوَاحِدُ قَرْءٌ وَيُقَالُ الْقَرْءُ وَهُوَ الطّهْرُ ثُمّ قَالَ. وَقَوْمٌ يَذْهَبُونَ إلَى أَنّ الْقَرْءَ الْحَيْضُ فَحَكَى قَوْلَ مَنْ جَعَلَهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَوْقَاتِ الطّهْرِ وَالْحَيْضِ وَقَوْلَ مَنْ جَعَلَهُ لِأَوْقَاتِ الطّهْرِ وَقَوْلَ مَنْ جَعَلَهُ لِأَوْقَاتِ الْحَيْضِ وَكَأَنّهُ لَمْ يَخْتَرْ وَاحِدًا مِنْهُمَا بَلْ جَعَلَهُ لِأَوْقَاتِهِمَا. قَالَ وَأَقْرَأَتْ الْمَرْأَةُ إذَا خَرَجَتْ مِنْ حَيْضٍ إلَى طُهْرٍ وَمِنْ طُهْرٍ إلَى حَيْضٍ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ لَابُدّ مِنْ مُسَمّى الْحَيْضِ فِي حَقِيقَتِهِ يُوَضّحُهُ أَنّ مَنْ قَالَ أَوْقَاتُ الطّهْرِ تُسَمّى قُرُوءًا فَإِنّمَا يُرِيدُ أَوْقَاتَ الطّهْرِ الّتِي يُقَالُ لِزَمَنِ طُهْرِهِمَا أَقْرَاءٌ وَلَا هُمَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ بِاتّفَاقِ أَهْلِ اللّغَةِ.

.الدّلِيلُ الثّانِي لِمَنْ حَمَلَ الْقَرْءَ عَلَى الْحَيْضِ:

الدّلِيلُ الثّانِي: أَنّ لَفْظَ الْقَرْءِ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي كَلَامِ الشّارِعِ إلّا لِلْحَيْضِ وَلَمْ يَجِئْ عَنْهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ اسْتِعْمَالُهُ لِلطّهْرِ فَحَمْلُهُ فِي الْآيَةِ عَلَى الْمَعْهُودِ الْمَعْرُوفِ مِنْ خِطَابِ الشّارِعِ أَوْلَى بَلْ مُتَعَيّنٌ فَإِنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ دَعِي الصّلَاةَ أَيّامَ أَقْرَائِكِ وَهُوَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُعَبّرُ عَنْ اللّهِ تَعَالَى وَبِلُغَةِ قَوْمِهِ نَزَلَ الْقُرْآنُ فَإِذَا وَرَدَ الْمُشْتَرَكُ فِي كَلَامِهِ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ وَجَبَ حَمْلُهُ فِي سَائِرِ كَلَامِهِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ تَثْبُتْ إرَادَةُ الْآخَرِ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِهِ الْبَتّةَ وَيَصِيرُ هُوَ لُغَةَ الْقُرْآنِ الّتِي خُوطِبْنَا بِهَا وَإِنْ كَانَ لَهُ مَعْنًى آخَرُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ وَيَصِيرُ هَذَا الْمَعْنَى الْحَقِيقَةَ الشّرْعِيّةَ فِي تَخْصِيصِ الْمُشْتَرَكِ بِأَحَدِ مَعْنَيَيْهِ كَمَا يُخَصّ الْمُتَوَاطِئُ بِأَحَدِ أَفْرَادِهِ بَلْ هَذَا أَوْلَى لِأَنّ أَغْلَبَ أَسْبَابِ الِاشْتِرَاكِ تَسْمِيَةُ أَحَدِ الْقَبِيلَتَيْنِ الشّيْءَ بِاسْمِ وَتَسْمِيَةُ الْأُخْرَى بِذَلِكَ الِاسْمِ مُسَمّى آخَرَ ثُمّ تَشِيعُ الِاسْتِعْمَالَاتُ بَلْ قَالَ الْمُبَرّدُ وَغَيْرُهُ ثَبَتَ اسْتِعْمَالُ الشّارِعِ لَفْظَ الْقُرُوءِ فِي الْحِيَضِ عُلِمَ أَنّ هَذَا لُغَتُهُ فَيَتَعَيّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا فِي كَلَامِهِ. وَيُوَضّحُ ذَلِكَ مَا فِي سِيَاقِ الْآيَةِ مِنْ قَوْلِهِ: {وَلَا يَحِلّ لَهُنّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنّ} [الْبَقَرَةَ 228] وَهَذَا هُوَ الْحَيْضُ وَالْحَمْلُ عِنْدَ عَامّةِ الْمُفَسّرِينَ وَالْمَخْلُوقُ فِي الرّحِمِ إنّمَا هُوَ الْحَيْضُ الْوُجُودِيّ وَلِهَذَا قَالَ السّلَفُ وَالْخَلَفُ هُوَ الْحَمْلُ وَالْحَيْضُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْحَمْلُ وَبَعْضُهُمْ الْحَيْضُ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ قَطّ إنّهُ الطّهْرُ وَلِهَذَا لَمْ يَنْقُلْهُ مَنْ عُنِيَ بِجَمْعِ أَقْوَالِ أَهْلِ التّفْسِيرِ كَابْنِ الْجَوْزِيّ وَغَيْرِهِ. وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ {وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدّتُهُنّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطّلَاقَ 4] فَجَعَلَ كُلّ شَهْرٍ بِإِزَاءِ حَيْضَةٍ وَعَلّقَ الْحُكْمَ بِعَدَمِ الْحَيْضِ لَا بِعَدَمِ الطّهْرِ مِنْ الْحَيْضِ.